الحوكمة الرشيدة

مقدمة مدخل

ARTICLES

المستشار البشرى عبد الحميد

10/16/20241 min read

الحوكمة الرشيدة

مقدمة مدخل

يمكن تعريف الحوكمة بطريقة مبسطة بانها النظام والسلطة التي يتم تنظيمها بشكل جيد وللمرء ان يتخيل منظمة مدنية او شركة او دولة بدون نظام. والحوكمة مصطلح قديم تعود جذوره إلى الفترة اليونانية القديمة واستخدمه أفلاطون مجازا بمعنى التوجيه، وظلت تتغير مفاهيمها ومعانيها كلما ظهرت الحاجة الى استخدام تطبيقات الحوكمة في مجال ما.

تعريف الحوكمة

نود هنا من باب العلم والمعرفة والفائدة العامة الإشارة لبعض التعريفات الهامة للحوكمة التي صدرت عن مؤسسات إقليمية ودولية مختصة في مجالات مختلفة لعلها تساعد في توضيح المفاهيم والهدف من ضرورة حوكمة المؤسسات الاقتصادية والحكومية والمنظمات المجتمعية وهي علي النحو التالي :

1- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عرفت الحوكمة بأنها عبارة عن نظام يتم بواسطته توجيه منظمات الأعمال والرقابة عليها ، بحيث تحدد هيكل إطار لتوزيع الواجبات والمسؤوليات بين المشاركين في الشركة مثل مجلس الإدارة والمديرين وغيرهم من أصحاب المصالح (Stakeholders) وتضع القواعد والأحكام لإتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الشركة .

2- مؤسسة التمويل الدولية (IFC) عرفت الحوكمة بأنه النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها.

3- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) عرف مفهوم الحوكمة علي أنها ممارسة السلطة الإقتصادية والسياسية والإدارية وإدارة شؤون الدولة علي جميع المستويات ، ويشمل الأليات والعمليات والمؤسسات والتي من خلالها يعبر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم.

4- البنك الدولي (WB)عرف مفهوم الحوكمة بأنها الحكم المعتمد علي تقاليد ومؤسسات يتم من خلالها ممارسة السلطة في الدولة بهدف خدمة الصالح العام ويشمل هذا التعريف،عملية إختيار القائمين علي السلطة و رصدهم وإستبدالهم ,قدرة الحكومة علي إدارة الموارد وتنفيذ السياسات السليمة بفاعلية ، وإحترام كل من المواطنين والدولة للمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والإجتماعية فيما بينها .

5- معهد المدققين الداخليين الامريكي “Institute of Internal Auditors”(IIA) يعرف”حوكمة القطاع العام” على أنها السياسات والاجراءات المستخدمة لتوجيه أنشطة المنظمة الحكومية، والتأكد من تحقيق أهدافها، وانجاز العمليات بأسلوب أخلاقي ومسؤول، وتقييم الحوكمة في القطاع العام عن مدى انجاز وتحقيق الأهداف المرجوة من خلال القيام بالأنشطة التي تضمن مصداقية الحكومة، والعدالة في توفير الخدمات، وضمان السلوك المناسب والاخلاقي للمسؤولين الحكوميين للحد من مخاطر الفساد المالي والاداري.

6- عرف مركز العقد الاجتماعي بمجلس الوزراء المصري الحوكمة الرشيدة بأنها تعنى الادارة الجيدة لجميع المؤسسات في الدولة من خلال سياسات وآليات وممارسات تقوم على الشفافية والمشاركة وعدم التمييز بين المواطنين ، والاستجابة لاحتياجاتهم وتحرى الكفاءة للوصول للسياسات والخدمات لأعلى مستوى من الفعالية والجودة يرضي المواطنين.

ويعتبر مفهوم الحوكمة وتطبيقاته وفقاً لهذه التعريفات ، احد اهم المرتكزات التنظيمية من حيث الأسلوب القيادي الذي تدار بها المنظمة، وقد ورد في تقرير (كادبوري عام 1992م) معنى لهذا لهذا الأسلوب القيادي بأنه (النهج الذي تدار بمقتضاه الشركات وتراقب)، واذا سلطنا الضوء على جذور هذا المفهوم (الحوكمة) فهو موجود منذ القدم كما اشرت وقد يختلف من حيث الممارسة في المنظمات من عصر لاخر، وتتباين وسائل تطبيقاته في الممارسات العملية التي اتبعتها تلك المنظمات والتي ضمنت لها استمراريتها مع النجاح، وعلى مستوى الاحزاب السياسية السودانية يمكن قياس التباين بين اسلوب الحقاني في القيادة والأحزاب الأخرى في مقدمتها الحزب الاتحادي الديمقراطي

واما من حيث دلالة المفردة اللغوية لكلمة الحوكمة (Corporate Governance) فقد كان أول ظهور لها في سبعينيات القرن الماضي حينما قامت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بتناول قضية حوكمة الشركات وجعلته مبلغ همها فبرز مصطلح “حوكمة الشركات” في عام 1976م لأول مرة في السجل الفيدرالي الأمريكي، وهو الجريدة الرسمية للحكومة الفيدرالية.

كان الدافع الرئيسي لهيئة السوق الأمريكي انهيار شركة النقل Penn Central وإفلاسها عام 1970م وكانت من أنجح الشركات في الاستثمارات الذكية وفي توزيع المخاطر فضلا عن تبنيها خطوات توسعية ناجحة وكان لذلك صدى واسع النطاق في البنوك التي كانت تمول الشركة وبعد تصفية الشركة أقدمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في عام 1974م على تبني مجموعة من الإجراءات القانونية ضد ثلاثة من الرؤساء لتقديمهم بيانات مضللة فيما يتعلق بالبيانات المالية للشركة، كما شملت العقوبات طيف واسع من التنفيذيين لخرقهم القواعد المهنية التي كانت السبب خلف هذا الإفلاس.

وزاد الطين بلة اكتشاف هيئة الأوراق المالية والبورصات مدفوعات واسعة النطاق من قبل الشركات إلى مسؤولين حول تزوير سجلات الشركات. وهذا ما يفسر وجود لجان المراجعة الداخلية والبدء بتعيين أعضاء مستقلين في مجالس إدارات الشركات. ولذلك، وجهت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) بورصة نيويورك New York Stock Exchange (NYSE) بان تطلب من الشركات المدرجة quoted بأن تشكل لجان مراجعة داخلية لديها وبعضوية أعضاء مستقلين، الأمر الذي دفع المؤيدين لهذه الإصلاحات بالمطالبة بلجان مشابهة لإقرار المكافئات والترشيحات و التعيين في مجالس الإدارات.

وكأي حركة تغيير وإصلاح مؤسسي فقد واجهت (الحوكمة) تيارات رافضة للتغيير بحجة أنها تضع المزيد من القيود امام الشركات بينما نجاحها يعتمد على مرونتها في اتخاذ قراراتها، ولهذا اصدرت الجهات التشريعية قانوناً عام 1980م لحماية حقوق المساهمين ، لكنه تعطل في الكونغرس. ومن المحاولات الإصلاحية المشروع الذي تقدم به معهد القانون الأمريكي (ALI) تحت مسمى (مبادئ حوكمة الشركات) وواجه مقاومة ونقداً أدى إلى إضعافه وإصدار مسودات واحداً تلو الآخر إلى أن صدر عام 1994م ولكن بأثر لا يذكر.

وخلال التسعينات وبظهور موجات العولمة الاقتصادية والاستثمارات العابرة للقارات وفي أعقاب المشاكل والانهيارات الاقتصادية التي صاحبت هذه العولمة، ظهرت بشكل واضح الحاجة للحوكمة وتطبيقاتها لكبح المزيد من جماح الأزمات المالية التي واجهتها بعض الأسواق العالمية ورتبت آثاراً سلبية على دول العالم وخاصة في بعض دول شرق آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية. وظهرت توابع الزلزال ، في إنهيارات في سوق الأسهم والعقارات في أمريكا نفسها في بداية الالفية وأشهر تلك الزلازل إنهيار شركة أنرون الأمريكية للطاقة وإعلانها الإفلاس فى 30 نوفمبر 2001م وأكثر من ١٦ مصرف من بينها بنك التجارة والاعتماد الدولي، لذا ظهرت الحاجة الماسة للتوجه نحو تطبيقات الحوكمة الرشيدة.

ومن المعروف أن النظم الاقتصادية الرأسمالية تعتمد بشكل أساسي على نجاح الشركات والمؤسسات والأوراق المالية والسندات والبطاقات الائتمانية التي تستخدم في مجال الأعمال لضمان تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الإقتصادي في تلك الدول، وتعتبر قواعد ومعايير وضوابط الحوكمة مهمة للنظم الاقتصادية الرأسماليةلارتباطها بالشفافية والعدالة والرقابة والمساءلة وسيادة حكم القانون . هذه المعاني تعمق الثقة في الأسواق المالية فانت اليوم تخاطر بالاستثمار في لندن ولكن يصعب ان تشتري أسهم شهامة من سوق الخرطوم للأوراق الماليه لغياب الحوكمة الرشيدة مع توفرها في الدول المتقدمة التي رسخت أسس الحوكمة فالمستفيد النهائي ينظر ويركز إلى ما يحفظ حقوقه وحقوق جميع أصحاب المصلحة.ذات العلاقة بأعمال الشركات ومن ثم تحقيق النمو الاقتصادي المطلوب و حفظ حقوق أصحاب المصالح.

من خلال صدور مبادئ حوكمة الأعمال وهي عبارة عن مجموعة المبادئ والممارسات التي تنظم كيفية إدارة وتشغيل الشركات، وتهدف إلى حماية مصالح المساهمين وأصحاب المصلحة من العملاء والموظفين والمجتمع وغيرهم ممن لهم صلة بأعمال الشركات وذلك من توفير إدارة فعالة ومسؤولة للشركات تحقق مصالح الجميع . وجاء هذا التطور عبر العديد من المراحل التاريخية كما اشرت ، لتصل في نهاية الأمر إلى التركيز على مسائل مثل التنوع في المجالس، وتعزيز دور المساهمين الصغار، وتكامل المسؤولية الاجتماعية والبيئية في استراتيجيات الشركات. ليتم تقنين كل ذلك ليشمل مجموعة من القوانين والمعايير الدولية لضمان إدارة شفافة ومسؤولة ومستدامة للشركات في عالم متغير بسرعة.